قرأت فى بعض الكتب


البحث عن الذات...  

وبعد...

فليست ذه قصة الصراع العربى الاسرائيلى أو قصة تحرير مصر من الاحتلال البريطانى أو قصة منجزات وأخطاء ثورة 23 يوليو 1952... ربما كانت ذلك كله وأكثر.. ولكنها فى المقام الاول قصة البحث عن الذات- ذاتى وذات مصر- ذلك الكيان الواحد الذى أشرق فى نفسى منذ الطفولة عندما توحدت ذاتى مع ذات بلادى أرضا وشعبا.
هل نجح البحث؟ هل استطعت تحقيق صورة تلك الذات التى وضعتها نصب عينى منذ طفولتى المبكرة؟ أترك للقارئ الحكم على ذلك –فكل ما استطيع أن اقوله- وحسب مبلغ علمى- هو هذا:
لم يستهونى يوما بريق المتع الدنيوية ولم أحاول قط أن أبنى سعادتى على حساب شقاء الآخرين . فأنا أصدر فى كل قرار اتخذه وكل عمل أقوم به عن الايمان الراسخ  بحق الانسان فى الكرامة والحرية والسلام والمساواة.
لقد وجدت ذاتى فى الصداقة.. وفى الحب.. وفى العمل الذى يرقى بحياة من حولى .. وفى انتصار الحق على الباطل.. باختصار فى كل ما من شأنه تحقيق صورة كيانى الذى هو كيان بلادى.
لم أسع يوما وراء السلطة إذ اكتشفت فى فجر حياتى أن قوتى تنبع من داخلى- من إيمانى المطلق بالخير والحق والجمال.
وأحمد الله أنى لا أختلف اليوم عما كنت منذ سنوات بعيدة، عندما كنت أصحو مع شروق الشمس وأخرج إلى الحقول لأعمل مع الآخرين حتى تعود إلى الارض الحياة.. وتحمل الشجار اليابسة الثمار مرة أخرى...
لم ينته البحث بعد.. وأعتقد أنه لن ينتهى يوما.. إذ أننا فى كل عمل نتخذه لتحقيق ذواتنا نحقق ارادة الله وارادته عز وجل خالده.
مازال أمامى وأمام شعبى طريق طويل لابد أن نقطعه حتى نصنع حياة يسودها الحب والسلام والرخاء والاكتمال.
            وفقنا الله وهدى خطانا وخطى الجميع فى كل مكان.
                                                                               
                                                                                         محمد أنور السادات



هل أنت صادق؟

سؤال سوف يجيب عليه الكل بنعم … فكل واحد يتصور أنه صادق وأنه لا يكذب … وقد يعترف أحدهم بكذبة أو كذبتين ويعتبر نفسه بلغ الغاية من الدقة والصراحة مع النفس، وأنه أدلى بحقيقة لا تقبل مراجعة.
ومع ذلك فدعونا نراجع معاً هذا الادعاء العريض وسوف نكتشف أن الصدق شيء نادر جداً … وأن الصادق الحقيقي يكاد يكون غير موجود.
وأكثرنا في الواقع مغشوش في نفسه حينما يتصور أنه من أهل الصدق.
بل إننا لنبدأ في الكذب من لحظة أن نتيقظ في الصباح وقبل أن نفتح فمنا بكلمة.
أحياناً تكون مجرد تسريحة الشعر التي نختاره كذبة.
الكهل الذي يسرح شعره خنافس ليبدو أصغر من سنه يكذب، والمرأة العجوز التي تصبغ شعرها لتبدو أصغر من سنها تكذب، والباروكة على رأس الأصلع كذبة, وطقم الأسنان في فم الأهتم كذبة، والبدلة السبور الخفيفة التي تخفي تحتها فانيلة صوف كذبة، والكورسيه والمشدات حول البطن المترهل كذبة، والنهد الكاوتشوك على الصدر المنهك من الرضاع كذبة، والمكياج الذي يحاول صاحبه أن يخفى به التجاعيد هو نوع آخر من الكذب الصامت.
البودرة والأحمر والكحل والريميل والرموش الصناعية … كلها أكاذيب ينطق بها لسان الحال قبل أن يفتح الواحد منا فمه ويتكلم.
بل إن مجرد ضفيرة المدارس على رأس بنت الثلاثين كذبة، واللبانة في فم رجل كهل هي كذبة أكثر وقاحة.
كل وهذا ولم يبدأ اللسان ينطق ولم ينفتح الفم بعد ………………..

وفي عالم السياسة والسياسيين وفي أروقة الامم المتحدة وعلى أفواه الدبلوماسيين نجد الكذب هو القاعدة.
بل إن فن الدبلوماسية الرفيع هو كيف تستطيع أن تجعل الكذب يبدو كالصدق .. وكيف تقول ما لا تعني .. وكيف تخفي ما تريد … وكيف تحب ما تكره … وكيف تكره ما تحب !! …………….
وفي عالم الدين ودنيا العبادات يطل الكذب الخفي من وراء الطقوس والمراسيم،
شهر الصيام هو امتناع عن الأكل يتحول إلى شهر أكل فتظهر المشهيات والحلويات والمخللات والمتبلات .. من كنافة إلى مشمشية إلى قطايف إلى مكسرات، ويرتفع استهلاك اللحم في شهر رمضان، فتقول لنا الإحصاءات بالأرقام إنه يصل إلى الضعف ويصبح شهر رمضان هو شهر الصواني والطواجن.
وبين كل مائة مصل أكثر من تسعين يقفون بين يدي الله وهم شاردون مشغولون بصوالحهم الدنيوية يعبدون الله وهم في الحقيقة يعبدون مصالحهم وأغراضهم ويركعون الركعة لتقضي لهم هذه المصالح والأغراض ……
وفي دولة الحب نجد أن مخادعة النفس هي الأسلوب المتعارف عليه… يخدع كل واحد نفسه ويخدع الآخر أحياناً بوعي وأحياناً بدون وعي .. فيتحدث العاشقان عن الحب وهما يريدان ان يقدما مبرراً شريفاً مقبولاً للوصول إلى الفراش .. ويخيل للحبيب أنه قد جن حباً وهو في الواقع يلتمس لنفسه وسيلة للهرب من واقع مرير.
وفي المجتمعات المتمدنة يمارس الحب كنوع من أنواع قتل الوقت … أو كنوع من أظهار البراعة والمهارة أو كمظهر من مظاهر النجاح.
وأحياناً تكون كلمة الحب كذبة معسولة تخفي وراءها زغبة شريرة في الامتلاك والاستحواذ والسيطرة.
وأحياناً تكون كلمة الحب خطة محبوكة وشركاً للوصول إلى ميراث.
وهي في أكثر صورها شيوعاً وسيلة للوصول إلى لذة سريعة وطريقة لتدليك الضمير والتغلب على الخجل ورفع الكلفة……
والكذب في الفن عادة قديمة بدأها الشعراء من زمن طويل.
وقصائد المديح وقصائد الهجاء في شعرنا العربي شاهد على انتشار هذه العادة السيئة.
والفن وليد الهوى والخاطر والمزاج … والمزاج متقلب.
ما أكثر الكذب حقاً!
إننا لنكذب حتى في الأكل، فنأكل ونحن شبعانون.
إين الصدق إذن؟
ومتى تأتي اللحظة الشحيحة التي نتحرى فيها الحق والحق وحده؟
     د/ مصطفى محمود